شهريار الفحولة٠٠٠٠فؤاد زاديكه

شهريار الفحولة

بقلم: فؤاد زاديكه

اقتحم شهريارُ الفحولةِ عالم أنوثةِ شهرزاد, فازدادَ بها ولعاً و شاءَ أنْ يجترحَ معجزاتِ التخيّلِ من خلالِ انتصارٍ يحقّقهُ على تلك الأميرة الحالمةِ و الغارقةِ في عالم تأملاتٍ جميل صنعتْ أجنحتَه من ريش أمانيها. لم ترتعدْ منه و لم تتّخذْ موقفاً سلبيّاً, من شأنه أن يمرّغ فحولتَه بأوحال الخيبةِ و طينِ الفشل و المرارة.فهي أدركتْ بحلم الفتاة المتبصّرة ما كان يجولُ في خاطرهِ من أحلامٍ و ما كانت تراودُهُ من رغبات, تتفاعلُ في أعماق نفسِه’ فتتركُ لجموحِ خيالِه أن يتألّقَ في إبداعٍ مثيرٍ يطرحُ خصوبةَ أفكارِهِ, و ينتشي بلذّةِ انتصارٍ محسومٍ في أمره!

تراختْ متمايلةً, تنهّدتْ مبتسمةً, تأوّهتْ في تحدٍّ صارخٍ غير مُعلنٍ, لكنّه جاءَ معبّراً عن رغبةٍ شديدةٍ في المقاومةِ, فيه الكثيرُ من عنفوانِ الامتناعِ عندما لا تشاءُ العطاءَ. حاولَ شهريارُ الملكُ استخدامَ كلّ طاقاتِ فحولتِه, و سخّرَ جميعَ جيوشِ ميولِه, مستجمعاً قواه الشيّطانيّة, مستعدّاً للحظةِ الاقتحام. غازلها, أثنى على جمالها و ذكائها, أطرى على حسن مفاتنِها بدهاءٍ فطينٍ, فلم تتأثّرْ و لم تنخدعْ و لم تسقط فريسة إغرائِه, أو لقمةً سائغةً تحت أنياب هواه المتأجّج, كما لم ترضخْ لميولِ رغبتِه الملتهبةِ.
أراد أن يُعلنَ لها بصريحِ العبارةِ أنّه الملك المتحكّمُ و هو الآمرُ النّاهي و المتجبّر بسلطانِه و المتسلّط بصولجانهِ, و ما عليها إلاّ أن ترضخ و تستجيبَ لجميع ميولِه و رغباتِه, و أن تلبّي لهُ جميعَ طلباتِه التي يرغبُ في الحصولِ منها عليها! أرادها خاضعةً ذليلةً تستعطفُ جبروته و تستجيرُ بهيبتِه. أحكمتْ طوقَ ضعفِها, خلخلتْ موازينَ القوى, قبلتْ التحدّي صارخةً في وجهِ رغبتِه الجامحةِ, دون أن تنبثَ ببنتِ شفةٍ, بل أنّها عبّرتْ عن تلك الرغبة و ذلك التمرّد و التحدّي الواضح بفصاحةِ التصرّفِ و بلاغةِ الرّفض.
جُنّ جنونُ الملكِ شهريار, إذ كيف يقبلُ مثلَ تلكَ الإهانةِ, فقد يفقدُ جبروتَ عرشِهِ و يسقطُ من يدِهِ صولجانُ فحولتِه أمام هذا النّصر العظيمِ الذي قد تحقّقُهِ عليهِ أنوثةُ شهرزاد الناعمة, فتحيل حياتَهُ إلى كابوسٍ يقضّ مضجعَه و يحرمُ عينيه من نوم هادئ مريح, من هول هذه الصّدمةِ بما سينجمُ عنها من خيبةِ أملٍ كبيرةٍ و من شعورٍ بالنّقصِ فظيعٍ. أعاد محاولتَهُ مرّة أخرى فكانتْ أكثرَ إصراراً و أقوى صموداً, شاء أن يذبَحَها كما ذبحَ سابقاتها من الفتياتِ من قبلِها, لكنّ السّكينَ لم تعدْ قادرةً على الغوصِ إلى شريان العنقِ, فيدُ المحبّةِ الممسكةِ بقبضةِ السّكّينِ تلاشتْ قوّتها فسقطتِ من يده, و ما كان منه أمام هذا الموقفِ إلاّ أن يُعلنَ استسلامَهُ.
استسلمَ الملك, قبلَ الهزيمةَ أمام كبرِ محبّتهِ. لم يعتبرْ ذلك هزيمةً, لم يفكّر البتّة في مَنْ ربحَ و مَن خسِرَ. أدركتْ شهرزادُ الحكيمةُ بفطنتها ما كان يفكّر به شهريار و ما كان يتعاملُ في داخلهِ من مشاعر التناقض و الشكّ و حالِ الإحباط, فدنتْ منهُ كوردةٍ في أبهجِ أيّامِ ربيعِها, عطّرتْها أنوثةٌ عذبةٌ, و كستْها مسحةٌ من فرحِ العطاءِ لتمنحَهُ قبلةً ورديّةً نديّة و محبّةً, تركتْ انطباعاً وجدانيّاً عميقاً ظهرتْ آثارُهُ على نفسه المحبطةِ فاستعاد ثقتَه المهتزّةَ و أحسّ برجولتِه و فحولتِه, لكنّه أحسّها من خلالِ أنوثةِ شهرزادِ الطاغية التي استحقّتِ الثناءَ فهي أعطتْهُ الحبّ و التضحيةَ و الوفاءَ, و أخذتْ منهُ الاحترامَ و الثقةَ و الأمانَ, فكانتْ فحولتُهُ من خلالِ أنوثتها, و كانت قوّته من خلالِ حكمتِها, و كان انتصارهُ من خلالِ وحدتهما و انصهارِها في “نحن”.

أضف تعليق

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ